Wednesday 2 December 2009

الكاتب الكبير انيس منصور يكشف عن تناقضات اخلاقيه عن الدكتور احمد زويل فى جريدة الشرق الاوسط اللندنية











لأول مرة: أحمد زويل

اقراء المقال على موقع الجريدة
قرأت في المجلات العلمية الأميركية والإنجليزية والفرنسية اسم عالم يقال إنه مصري: أحمد زويل.. وعندما قرأت الاسم قلت لعله سوداني.. ففي السودان يقال «الزول» وهو الرجل المهذب. وقد يكون زويل تدليلا له. ولما رأيت ملامحه وشعره الأكرت قلت ربما كان سودانيا.. قرأت له ولم أر له صورة، ولذلك اندهشت من الإطراء الشديد الذي يلقاه زويل.. قرأت إحدى المجلات تصفه بأنه فرويد الكيمياء. وأنه مثل آينشتاين أطلق من الذرة آلاف الملايين من جزيئات الذرة. أقصد أن مجال البحث عنده هو واحد على ألف مليون من الذرة وواحد على ألف مليون من الثانية. كيف؟ وإذا ذهب زويل إلى أوروبا كانت الحفاوة به هائلة. إن عالما مجهولا لدينا يلقى التكريم العظيم لا بد أنه عظيم فعلا، ولكننا لا ندري. إن موهبته لم تظهر إلا في أميركا ونحن لا نستطع في مصر أن نحقق له ذلك. تماما كما أننا لم نستطع أن نوفر لفاروق الباز رحلات إلى القمر، وهو كرجل متخصص في جيولوجيا القمر يعتمد على الصور التي التقطت للقمر من المراصد الفلكية، وهي تلك الصور التي أخذتها سفن الفضاء وأجهزتها التي هبطت واستقرت على سطح القمر. وكذلك الجراح العالمي مجدي يعقوب.. إنهم أصحاب مواهب لا نستطيع أن نقدرها. ولكن عندما توافرت لهم وسائل البحث العلمي كشفت عن مواهبهم.. وكتبت عشر مقالات عن العالم المصري أحمد زويل. ولا أعرف بالضبط ما هي عظمته. فالكلام الذي يقال عنه سريع موجز. فرصدت المعلومات القليلة التي ينشرونها عنه. وتمنيت لو أعرف مفردات هذه العظمة..

وفوجئت بأنه في القاهرة. وشكرني على ما قلت له. ودعاني وزوجتي للعشاء في فندق مينا هاوس. وكانت معه أستاذة مصرية هي د. لطيفة النادي المتخصصة في الليزر. وكأنني أريد أن أطمئن أحمد زويل على مدى علمي في الفيزياء والكيمياء والفلك ونظريات النسبية العامة والخاصة ونظرية الحكم في الفيزياء، مع ذكر اسم آينشتين وماكس بلانك وهيزنبرغ.. وقلت إن هيزنبرغ لا يقل عظمة عن آينشتين. وأيدني. وأدهشه أنني أعرف هذا الكم من نظريات الفيزياء والفلك ومتابعتي لرحلات الفضاء. ويوم تطوعت لأن أكون أحد الأفارقة المسافرين بسفن الفضاء، ولأن الرواد لا يحسنون التعبير، كان المطلوب إيفاد كاتب ليرى ويقول. وتقدمت، وزكاني د. فاروق الباز. وكان فاروق الباز أيضا يريد أن يرافقني حول الأرض. ورفضوا فاروق ورفضوني أيضا. فاروق لأنه صاحب قلب مفتوح.. وأنا لأنني لا أعرف السباحة.. ولا أستطيع أن أنام في اليوم من ثماني ساعات إلى عشر ساعات بغير منومات؟! ألقى زويل محاضرات في الجامعات فعرف المتخصصون قيمته العلمية. وبدأ هو يقول عن الذي اهتدى إليه، واستحق تكريم الهيئات العلمية العالمية، وقال لي إنه سوف يحصل على جائزة نوبل.. وقد يفوز بها مرة أخرى! وفاز بجائزة نوبل في الكيمياء وحده لا يشاركه أحد.. عظمة علمية. عبقرية لا شك في ذلك!
وفي جلسة في بيت د. صوفي أبو طالب الذي كان رئيسا للجمهورية أثناء انتقال السلطة من السادات إلى الرئيس مبارك، ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الجامعات. إنه واحد من عظماء مصر، في هذه الجلسة كان هناك رئيس مجلسي الشعب والشورى وعدد من الوزراء عندما تقدم أحد الحاضرين، وقال: كنت زميل د. زويل في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية. زملاء أربع سنوات. وقبل أن يسافر زويل إلى أميركا طلب منه أن يبعث إلى أخيه في أميركا أن يساعده.. وجاء خطاب من أخيه بأنه ساعده وساعده. وقال له: إنه شاب سوف يكون له مستقبل. لولا أنه..
لثالث مرة : أحمد زويل

وحكى لنا زميل د. أحمد زويل أنه التقى به في مطار القاهرة. وذهب إليه مهللا: إزيك يا أحمد. فكشف أحمد زويل عن وجه من الجليد قائلا: أهلا وسهلا. أنا.. أنت نسيت؟ كنا زملاء وطلبت مني خطابا لأخي. بسرعة نسيت من أنا.. ولم تنفرج أسارير أحمد زويل. وزادت دهشة زميله. ولكن زويل يؤكد أنه لا يذكره! لقد تغير تماما ـ هو الذي يقول. وراح يقول ويزيد. يريد منا مزيدا من الاستنكار له.. وراجعت د. زويل في هذه الواقعة فقال إنها لم تحدث. وإنه لا يذكر أن له زميلا ساعده بخطاب إلى أخيه. وسحب الحاضرون كثيرا من رصيد زويل الأخلاقي عندهم. وكان تعليقي أن كثيرا من العلماء ليسوا أخلاقيين.. بل سفلة ومنحطون وعباقرة.. واندهشت د. لطيفة النادي ورددت هذه الحكاية ثم رفضتها لأنه عالم مهذب وقد ساعدها علميا كثيرا. وتستبعد أن يحدث شيء من ذلك. وإذا حدث فلعله قد نسي لاستغراقه في البحث.. وفاز د. زويل بجائزة نوبل في الكيمياء. خبر عظيم. ومفخرة. وتضايق الأميركان مما نشرته الصحف لأنهم ذكروا أن الفضل لمصر التي أنجبته. فقال السفير الأميركي: ولكنه ما كان من الممكن أن يظل عالما دون التيسيرات العلمية والمعملية وملايين الدولارات التي يتكلفها مشروعه العلمي. فهو ولد في مصر وترعرع في أميركا. والفضل لهما.. ثم إنه أميركي الجنسية أيضا. إنه عالم عظيم. يستوي إن كان مصريا أو أميركيا.. وفجأة سمعت قصة من الفنان سمير صبري.. وقصة من المحاور مفيد فوزي. وأدهشني وتضايقت مما سمعته. وقد ذهب د. زويل إلى وزير الإعلام يطلب إليه ألا يذاع شيء من هذه الحكايات عنه وعن أسرته..
لرابع مرة : أحمد زويل

قبل أن يفوز بجائزة نوبل كان الكلام كثيرا عليه. ولكن بعد الجائزة فأي كلام قليل عليه.. وظهر في كل المجالس الاجتماعية والفنية والأمنية. ومن المؤكد كان من الصعب عليه أن يشرح. والناس لم تفهم الكثير مما يقول. ولكنهم سعداء به. وظهر في البلاد العربية ويقال لقي حفاوة في إسرائيل. ليس غريبا. وأنا كرجل ريفي لا أزال أحتفظ ببعض الخصال الريفية. وكثيرا ما تلقيت الصدمات في هذه الخصال. وأعيب على نفسي أن أتأثر كثيرا وعميقا إذا صدمت في أخلاقيات أبناء الريف. فأنا لا أتصور أن أحدا يغضب أمه أو يرفع صوته عليها.
وقد نفى لي أحمد زويل ما سمعت. وما سمع أيضا. وصدقت الناس الذين كذبهم. وهذا يكفيني جدا ألا أكتب سطرا عنه.. لأنه صدمني. وقد لا تكون صدمة لأحد غيري. ولم أعد أتصل به ولا هو. ولا أعلق على أخباره. واعتذرت عن لقاءاته في التلفزيون أو في الأوبرا. وسئلت: لماذا لا تكتب عنه؟ قلت: أنا أول من كتب عنه. عشر مرات.. قبل أن يعرف الناس اسمه. ولا من هو. ومن أين جاء. وقد شكرني على ذلك. ولا أنكر عليه موهبته العلمية. وهو شرف لمصر.. وليس في حاجة إلى ما أكتبه. فقد كتب عنه كل الكتاب والعلماء والفنانين. وكان شيئا غريبا حقا أن يظهر زويل في الحفلات العامة يشرح ما اهتدى إليه. وهو كلام صعب. وهو ليس أستاذا في الجامعة يقول ويشرح ويجيب عن أسئلة من يسأله ولكن في الحفلات الفنية التي يتوقع منها الطبل والزمر والرقص، وليست الفيزياء والكيمياء.. ولكنه كان سعيدا. وكان الناس أيضا. وليس مفهوما لأنه من الصعب أن يكون مفهوما. ولكن الناس سعداء به وبرؤيته وحضوره. شيء غريب: مصري يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء وإلى جانب نجيب محفوظ زميله في جائزة نوبل في الأدب والسادات الفائز بنوبل في السلام..
لخامس مرة : أحمد زويل

لم أر في حياتي عالما كبيرا فذا. ولا أعرف كيف يكون. رأيت أساتذة علماء، ولكن ليست لهم سمعة عالمية.. رأيت واستمعت إلى محاضرة للدكتور علي مصطفى مشرّفة عميد كلية العلوم. المحاضرة لم أفهم منها شيئا. إنها للمتخصصين. سألني: فهمت؟ قلت: ولا كلمة. وسألني: كيف احتملت هذه المحاضرة.. قلت: إعجابا بك. وأصدر كتابا عن الطاقة الذرية وكيف تنبعث الطاقة، وحتى هذا الكلام لم يكن واضحا تماما. ولكن أعجبني من كلام د. مشرّفة دعوته إلى ضرورة أن نتوسع في الدراسات العلمية. إن عدد المحامين في بلدنا أضعاف عدد المجرمين.. يقول د. مشرّفة: وكما أننا لسنا في حاجة إلى مجرمين بهذا الحجم فلسنا في حاجة إلى محامين. ولا هذا العدد الكبير من الأدباء.. العلم ثم العلم ثم العلم! هذا الكلام الذي يقوله في كل محاضرة. وكان يعاب على د. مشرّفة أنه مغرور.. وأنا أرى أنه معه حق.. فهو حصّل شيئا يعذبه ويتعسه. وكذلك قل عن زويل.. وإنه يريد قصرا يسكنه أو يجعله مكتبا إذا جاء إلى مصر. وأنه أرسل خطابا لرئيس الجمهورية يطالب بتعديل وزارة البحث العلمي وأنه يريد أن يشكل الوزارة على مزاجه وأنه وأنه...!! وأنا أرى أن معه الحق فإن ما أنجزه في مجال العلم شيء عظيم. ومن غير العلم لن نتقدم في أي مجال.
ثم هذه العبارة التقليدية: لقد بدأنا مشوار النهضة مع اليابان في نهاية القرن التاسع عشر. وهذه العبارة نقولها في مجال الفخر. والحقيقة أنها إدانة لأنفسنا. فأين نحن من اليابان. هي في السماء ونحن لا نزال نتساءل إن كنا ندخل الحمام باليمنى أو اليسرى.
سألني مرة صحافي ياباني: لماذا في كل مرة يجيء رئيس جديد لمصر يتحدث عن مصر واليابان ويكرر هذه الحكاية! السؤال معناه أنه لا داعي لذلك لأنه لا وجه للشبه بيننا وبين اليابان. ومعه حق..